Tuesday، 19 March 2024
 

 

حول مفهوم البعد السابع

 

بداية، لا شك أن الإنسان بطبيعته يدرك جيدا (بحواسه) أبعاد المكان الثلاثة؛  فهو يعيش في عالم ثلاثي الأبعاد  وان كان عقله يحسن التعامل مع بعدي الطول والعرض (أي المساحة)  بشكل أفضل من تعامله مع أبعاد الطول والعرض والارتفاع مجتمعة (أي الحجم) ؛ أو بمعني آخر يحسن الإنسان وبشكل عام التفكير من خلال بعدين ولكنه يجد صعوبة في التفكير ثلاثي الأبعاد الذي يتطلب قدرات ذهنية خاصة، ومقدرة على التخيل ثلاثي الأبعاد.

كما أن الإنسان يحس  بالبعد الرابع (الزمن) ويعيشه ولكنه لا يراه وان كان ظاهريا يرى تأثيره، و يخيل إليه أن الزمن يسير في خط مستقيم يصل الماضي بالحاضر واتجاهه دائما إلى المستقبل، أي أن الزمن بالنسبة للإنسان مجرد اتجاه وليس بعدا. أما الزمن كبعد فإنه لم يقترح ويصطلح عليه بشكل علمي دقيق إلا في القرن العشرين ومع بروز النظرية النسبية والتي تعرف أيضا بأنها نظرية البعد الرابع  أو الزمن الفضائي(space-time)، وهي نظرية استنبطت من قبل العالم الشهير اينشتاين لتفسير الكون وحركة الأجرام السماوية داخله، وفي الغالب يصعب على معظم الناس تخيل البعد الرابع (بل وحتى كثير من العلماء ).

وفيما ما عدا هذه الأبعاد الأربعة، فلا يوجد اتفاق على شيء، اللهم إلا على إمكانية وجود أبعاد أخرى، ولكن من دون اتفاق كامل لا على كنهها ولا عددها، فعلى سبيل المثال ، هناك من العلماء من يرى أن الزمن ثلاثي الأبعاد تماما مثل المكان، أي ان هناك إجمالا 6  أبعاد ، 3 للمكان و 3 للزمن ( استنادا على نظريات رياضية بحتة)، وفيما يتعلق بامكانية وجود بعد سابع فإن هناك من يرى بأن البعد السابع لا وجود له أصلا،  أو أنه ما لانهاية، أو أنه العقل، أو غير ذلك من الرؤى ، ولكن كل ذلك طبعا رجما بالغيب ومن دون أدلة أو براهين عملية.

وفي مقابل ذلك، وعلى صعيد آخر، ووفق أحدث نظريات الفيزياء( نظرية الأوتار مثلا) والتي طورت للتوفيق بين النظرية النسبية ونظرية الكم وتوحيدهما، فإنهناك 10  أبعاد على الأقل: أربعة محسوسة (3 للمكان وواحد للزمن) و6 أبعاد أخرى غير محسوسة (أو خفية) وهي أبعاد رياضية افتراضية تقتضي نظرية الأوتار وجودها ولا يعيها أو يفقهها إلا الفيزيائيون المتخصصون جدا في مجال هذه النظريات والضالعون تماما بما تتطلبه من علوم رياضية فائقة التعقيد، ولا يوجد حتى الآن أي تفسير أو إثبات عملي أو تجريبي على وجود هذه الابعاد.

ومع ذلك، إذا تم استثناء الاستدلال بالنظريات الرياضية لإثبات وشرح وتفسير نظرية الأوتار (والمستعصية عن الفهم حيث لا يعقلها في الواقع إلا قلة قليلة من العالمين بهذه النظرية ، ولن يفهمها الغالبية العظمي من الناس مهما شرحت لهم)، فقد حاول البعض تفسير أبعاد هذه النظرية من دون الخوض في الجوانب الرياضية ، فوفق إحدى هذه المحاولات ، وبالإضافة إلى أبعاد المكان الثلاثة: (الطول، العرض، الارتفاع) لتحديد أماكن الأشياء ، والبعد الرابع: (الزمن) لتسجيل الأحداث الحاصلة للأشياء خلال فترة زمنية (مثلا : تأريخ الأحداث لإنسان منذ ولادته حتى وفاته) وهو ما يتمثل في بعد أو شريط زمني واحد يمتد على خط واحد يصل الماضي بالمستقبل لتلك الفترة، فإن هناك أيضا :-

 1)      البعد الخامس : ويشمل تأريخ كافة الاحتمالات لما يمكن أن يحدث للأشياء في عالمنا خلال فترة زمنية ذات بعدين (مسطحة: دائرية الشكل مثلا)  بسبب فرص الاختيار المتاحة أو الحظ المختلف أو غيرها مما يؤدي إلى نهايات مختلفة محتملة للشيء نفسه(مثلا جميع الخطوط المستقيمة للأحداث المحتملة خلال عمر إنسان منذ ولادته حتى وفاته) وهو ما يتمثل في مسطح يضم خطوطا لا متناهية في العدد  منبثقة عن نقطة بداية واحدة ( مكان وزمان الولادة).  

 2)        البعد السادس : ويشمل  تأريخ كافة الاحتمالات لما يمكن أن يحدث للأشياء في عالمنا خلال فترة زمنية ذات ثلاثة أبعاد (أي فراغية: كروية الشكل مثلا) بسبب فرص الاختيار المتاحة أو الحظ المختلف أو غيرها مما يؤدي إلى نهايات مختلفة محتملة ( مثلا جميع الخطوط المحتملة لأحداث في عمر إنسان منذ ولادته حتى وفاته) وهو ما يتمثل في فضاء يضم خطوطا لا متناهية في العدد  منبثقة عن نقطة بداية واحدة في كافة الاتجاهات ( كما في الأشعة الضوئية التي تنبثق عن مصدر ضوء واحد في جميع الاتجاهات). أي أنه بالنسبة لعالمنا الذي نعيش فيه (our universe) ، يشكل البعد السادس نهاية المطاف للأحداث الممكنة لكافة الأشياء المتواجدة به لأنه يشتمل على كافة الاحتمالات لحياة ومصير تلك الأشياء (عدد لا متناهي من الاحتمالات أي إلى ما لا نهاية infinity).

.

إذا، لو سلم المرء بإمكانية وجود البعدين الخامس والسادس، فما هو البعد السابع، إذا كان له وجود؟

.

لا أحد من البشر في الحقيقة يعلم ،ولكن وفق المحاولة السابقة ( ورغبة العلماء في تفسير الأبعاد 7-10 كما في نظرية الأوتار)، وقياسا على المنطق المستخدم في الوصول إلى كنه البعد السادس الذي يشمل كافة الاحتمالات لعالمنا، فان البعد السابع سيشتمل على كافة  العوالم (universes) المحتملة والتي يمكن أن تتشكل من بدايات مختلفة، بحيث يكون البعد السادس الخاص بعالمنا ( والذي تشكل من بداية معينة) مجرد نقطة في البعد السابع ، فمثلا لو أن نقطة البداية لعالم آخر مناظر لعالمنا كانت مغايرة لنقطة بداية عالمنا (نتيجة تغير أحد  ظروف بدء التشكيل كالجاذبية مثلا) لتغير البعد السادس الخاص بذلك العالم المناظر ولأصبح نقطة أخرى في البعد السابع، بحيث يشكل الخط المستقيم بين النقطتين كافة الاحتمالات الناجمة عن تغير ظرف بدء التشكيل المحصورة بين النقطتين. وبهذا الشكل، أي في وجود البعد السابع، تتحقق النظرية القائلة بوجود عوالم موازية (parallel worlds) والتي ينادي بها بعض علماء الفيزياء.

هذا بالنسبة للبعد السابع،  فماذا عن الأبعاد الأخرى ذات المرتبة الأعلى؟ 

 والجواب  يأتي من نفس المحاولة المشار اليها فيم سبق:  قياسا على المنطق المستخدم في الوصول إلى كنه البعد السابع، ستشتمل الأبعاد الأعلى مرتبة على كل العوالم (universes) المحتملة (عدد لا متناهي منها infinite)  والتي يمكن أن تكون قد تشكلت من بدايات مختلفة عن تلك الموجودة في البعد السابع (نتيجة تغير ظروف أخرى لبدء التشكيل غير الجاذبية مثلا). 

وعليه، من الواضح من هذا الاستعراض البسيط أنه لو تم التسليم بإمكانية وجود البعد السابع، فإن هذا البعد بحد ذاته سيكون بعدا واسعا شاسعا، و متعدد العوالم، وممتدا إلى ما لا نهاية.

.

والآن، ماذا نعلم من تعاليم ديننا الحنيف وتحديدا من ما أخبرنا به ربنا تبارك وتعالى في القرآن العظيم حول الوجود والموجودات، حول تعدد الابعاد وتعدد العوالم؟

إن الجواب نجده في أول سورة عندما نفتح المصحف الشريف، نجده في سورة الفاتحة ، السورة التي نتلوها في كل صلاة نؤديها ، السورة التي نرددها على الأقل 17 مرة كل يوم ، نجده في أول آية بعد أية "بسم الله الرحمن الرحيم" ، وهي آية  " الحمد لله رب العالمين"  ، فهذه الآية الكريمة تخبرنا بأن ربنا الله سبحانه وتعالى هو وحده المستحق  للحمد والثناء ، وبأنه سبحانه ليس ربنا  نحن الانس فقط بل رب العالمين جميعا، والعالمين جمع عالم وهو كل موجود سوى الله عز وجل ؛ أي رب جميع الخلائق ، فربنا سبحانه وتعالى هو وحده الخالق وهو المالك، خالق كل شيء في هذا الكون ومالكه والمتصرف فيه ، بديع السموات والارض ليس كمثله شيء ، تعالى شأنه وتقدست أسماؤه.

وعليه، فالمؤمن يعلم من هذه الآية ( ومن آيات أخرى في القرآن العظيم) بأن هناك بالاضافة الى عالم الانس عالم الجن وعالم الملائكة وعوالم أخرى لايعلمها الا الله لأنه وحده سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة، فالوجود بالنسبة للمؤمن وجود متعدد العوالم حتى وان كان لا يستطيع مشاهدة  تلك العوالم ، وجود متعدد الابعاد حتى وان كان ادراك تلك الابعاد فوق  قدراته التي منحها الله له. كما ان المؤمن يعلم بان الانسان مهما بلغ  من علم فهو علم قليل لأن ربنا سبحانه وتعالى أخبرنا بذلك في القرآن العظيم بقوله تعالى " وما أوتيم من العلم الا قليلا" ، وبأن الانسان لن يبلغ من العلم أكثر مما أتاه الله ، ومع ذلك فالمؤمن أيضا يعلم بأن المولى عز وجل قد كرم الانسان وميزه وفضله على كثير من خلقه ، وسخر له ما في السماوات والارض، وجعله خليفة في الارض، وأنعم عليه بنعمة العقل وبنعمة العلم حيث قال سبحانه وتعالى  " وعلم آدم الأسماء كلها" ، وبأن  طلب العلم تبعا لذلك فريضة، وأن عليه أن يجد ويجتهد في طلبه،  وأن يتفكر في خلق السماوات والأرض ، ويعلم كذلك بأن عليه ان يستعين في كل ذلك برب كل شيء ومليكه اقتداء  بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم حينما أمره سبحانه وتعالى بذلك في قوله تعالى " وقل ربي زدني علما" صدق الله العظيم.

   د. عبدالله عمار بلوط

 

المتواجدون حاليا

157 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع