Thursday، 10 October 2024
 

 

       الهندسة الكيميائية في ليبيا

 

 

1) نبذة عن الهندسة الكيميائية

 

الهندسة الكيميائية هي ذلك الفرع من فروع العلوم الهندسية الحديثة الذي يختص بتصميم وتطوير وتشييد وإدارة العمليات والمصانع الكيميائية أو التحويلية، التي تكون العملية الأساسية فيها هي التفاعلات الكيميائية التي تستهدف تحويل الخامات أو المواد الكيميائية الأولية إلى مواد أو منتجات أخرى تكون أكثر نفعا وذات قيمة اقتصادية  أعلى، وبأفضل الطرق التي تشكل فيها اعتبارات الجدوى الاقتصادية والسلامة والمحافظة على البيئة الركائز الرئيسية،  وذلك من خلال تطبيق العلوم الأساسية مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات والاقتصاد.

ويتمحور عمل المهندس الكيميائي في تصميم وتشغيل المعدات اللازمة للقيام بعمليات التحويل المطلوبة وتحديد مواصفاتها وظروف تشغيلها بما في ذلك معدات القياس والتحكم وذلك في العديد من المجالات الهامة مثل الصناعات الكيميائية والصناعات النفطية والصناعات والبتروكيميائية وصناعات البلاستيك والبوليمرات وصناعات تحويل الطاقة وصناعات مواد البناء والصناعات الغذائية والدوائية  والحيوية والالكترونية وغيرها.

ونظرا للتطور الكبير في مجال الهندسة الكيميائية خلال العقود الماضية، لم يعد عمل المهندس الكيميائي مقتصرا على ما تم سرده أعمال ومهام ولكن أصبح يشمل كذلك مجالات البحث والتطوير التي تستهدف  ابتكار منتجات وعمليات تصنيع جديدة ، ومجالات إدارة  العمليات الفنية ، ومجالات التسويق ، والمجالات المتعلقة بالعلاقات العامة مع الجماهير والحكومة خصوصا فيما يتعلق  بمراقبة الجودة وحماية البيئة وتعزيز جودة المعيشة، وذلك بالإضافة إلى المجالات الاستشارية المختلفة.

وبالإضافة إلى الوحدات الأساسية المتمثلة في المفاعلات الكيميائية والتي تعتبر بمثابة القلب للعمليات والمصانع الكيميائية أو التحويلية،  فإن تلك العمليات والمصانع  تشتمل على العديد من الوحدات المساندة التي تقوم بعمليات فيزيائية ( وأحيانا كيميائية أيضا) مثل عمليات التصفية أو التنقية (كالتقطير مثلا)  وعمليات الطحن و عمليات التجفيف وعمليات التسخين والتبريد  وغيرها ، وقد أطلق على هذه الوحدات المساندة  اسم " العمليات الموحدة". وأصبح تصميمها وتشغيلها يشكل العمود الفقري للمصانع الكيميائية.

الجدير بالذكر أن مفهوم العمليات الموحدة تاريخيا قد شكل حجر الزاوية لبروز الهندسة الكيميائية  كفرع منفصل ومتخصص  ليملأ الفراغ الذي كانت الصناعة الكيميائية تعاني منه جراء اعتمادها على المهندسين الميكانيكيين الذين كان اهتمامهم منصبا على الآلات والمعدات من النواحي الميكانيكية ، وعلى الكيميائيين (الصناعيين  والتطبيقيين) الذين كانوا معنيين بالدرجة الأولى بالمنتجات والتفاعل أو التفاعلات المؤدية إليها ، بحيث أصبحت الهندسة الكيميائية البوتقة التي تمتزج فيها مختلف علوم الكيمياء والهندسة الميكانيكية.

 لقد أدى ذلك إلى ظهور فئة جديدة من المهندسين هي فئة (المهندسين الكيميائيين) القادرين  على القيام بالدور الذي كان يقوم به الكيميائيون والمهندسون الميكانيكيون،  ولكن من منظور أشمل وأعمق ؛ منظور موحد قادر على الإلمام بكافة الجوانب التي تحكم سلوك العمليات الجارية في المصانع الكيميائية على اختلاف أنواعها، وبذلك برز الدور المميز للمهندس الكيميائي والذي ربما بدونه لم تتقدم الصناعة الكيميائية بالسرعة والحجم الذي شهدته خلال العقود الماضية. 


2) نشأة الهندسة الكيميائية في ليبيا

 

 

أنشئ أول قسم  للهندسة الكيميائية في ليبيا  في السنة الجامعية 1968-1969 كأحد أقسام كلية الهندسة  بفرع الجامعة الليبية بمدينة طرابلس.  وفي سنة 1972  تم ضم القسم إلى كلية هندسة النفط والتعدين التي أنشئت بهدف الاهتمام بعلوم الأرض التطبيقية  في مجالات استخراج النفط والغاز الطبيعي والمعادن ، وقد تم هذا الضم في إطار جامعة طرابلس  التي  استحدثت  بموجب قرار تحويل فرعي الجامعة الليبية  بكل من مدينتي طرابلس وبنغازي إلى جامعتين مستقلتين، وفي عام 1982  تم  ضم  قسم الهندسة الكيميائية  إلى كلية الهندسة بالجامعة بطرابلس وذلك إثر قرار إنشاء جامعة البريقة  بمدينة مرسى البريقة النفطية وضم كلية هندسة النفط والتعدين إليها  . وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن معظم أقسام كلية النفط والتعدين تم ضمها لاحقا إلى كلية الهندسة بجامعة طرابلس.

الجدير بالذكر أن إنشاء قسم الهندسة الكيميائية  في عام 1968 ( وأيضا قسم هندسة النفط) قد جاء لتلبية حاجة البلاد الماسة من المهندسين في هذين المجالين الهامين  بسبب تسارع وتيرة اكتشاف النفط والغاز في البلاد  وتزايد الإنتاج النفطي بشكل كبير والتفكير في تصنيع النفط والغاز من خلال تشييد المصافي والمصانع والبتروكيميائية.  الجدير بالذكر أيضا أن التفكير  لم يكن  مقتصرا على حاجة البلاد من المهندسين  الجامعيين فقط  ، بل امتد ليشمل حاجة قطاع النفط المتزايدة من الكوادر المتوسطة  وذلك من خلال إنشاء "معهد شئون النفط"  بمدينة طرابلس (1970)  و "معهد النفط العالي"  بمدينة طبرق (1971) وكلاهما يتبع قطاع النفط.

وللتدليل على أهمية قرارات إنشاء هذه المرافق التعليمية والتدريبية  في تلبية حاجة قطاع النفط  المتزايدة من الكوادر الفنية المختلفة  يكفي أن نشير في عجالة إلى التطور الكبير الذي شهده قطاع النفط خلال فترة الستينات والسبعينات ، فقد ازداد إنتاج النفط الذي بدأ في عام 1960 من بضعة ألاف برميل /يوم  إلى بضعة ملايين (  بلغ الإنتاج ذروته في عام 1970 ليصل إلى ما يزيد عن 3 ملايين  برميل /يوم)  وما صاحب ذلك من إنشاء عدد كبير من وحدات الفصل والمعالجة  بالحقول التابعة للشركات  ، كما قامت شركة إسو للنفط في عام 1965 بانشاء أول مصفاة للنفط  في البلاد بمدينة مرسى البريقة بطاقة 10,000 برميل/يوم وذلك لتلبية حاجة البلاد من المشتقات النفطية وفي مقدمتها بنزين السيارات ووقود الديزل ، كما قامت نفس الشركة أيضا في عام 1970 بإنشاء مصنع لإسالة الغاز الطبيعي المصاحب لإنتاج النفط (والذي كان يحرق) وذلك بمدينة مرسى البريقة أيضا  وذلك بغرض التصدير.   كذلك،  قام قطاع النفط من جانبه  بإنشاء  المصافي التالية:-

1. مصفاة الزاوية  بطاقة مبدئية  60,000 برميل/يوم (1974)

2. زيادة طاقة مصفاة الزاوية إلى 120,000 برميل/يوم (1976)

3. مصفاة راس لانوف  بطاقة  220,000 برميل/يوم  (1985)

4. مصفاة السرير بطاقة  10,000 برميل/يوم  (1986)

5. مصفاة طبرق بطاقة 20,000 برميل/يوم  ( 1989)

كما قام  خلال عقد السبعينات بإنشاء عدد من المصانع والبتروكيميائية وهي:-

1) مصنعي الامونيا الأول  والثاني بطاقة اجمالية  660,000  طن سنويا .

2) مصنعي الميثانول الأول والثاني  بطاقة اجمالية 660,000 طن سنويا .

3) مصنعي اليوريا الأول  والثاني بطاقة اجمالية تفوق 600,000 طن سنويا .

لقد أدى هذا النمو الكبير في حجم الصناعة النفطية من جهة والرغبة في تلييب قطاع النفط  من جهة ثانية إلى إنشاء جامعة  البريقة باعتبارها المدينة النفطية الأولى في البلاد وأصبح قسم الهندسة الكيميائية الذي أنشئ بها ثاني قسم للهندسة الكيميائية ينشأ في ليبيا ،  كما أدى  النمو في قطاع النفط ونمو قطاع الصناعة المشتمل على الصناعات الكيميائية الأخرى  كصناعة مواد البناء والصناعات الغذائية والدوائية وغيرها  إلى التوسع في إنشاء الجامعات في مختلف أرجاء البلاد خلال فترة الثمانينات والتسعينات وإلى إنشاء أقسام للهندسة الكيميائية ببعض من تلك الجامعات التي سميت بأسماء شتى ، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر قسم الهندسة الكيميائية بالجامعة بمدينة الخمس وقسم الهندسة الكيميائية بالجامعة بسرت، وقسم الهندسة الكيميائية بالجامعة بمدينة الزاوية  ، وقسم الهندسة الكيميائية بالجامعة ببنغازي  ، إلا أن التخبط الذي كان سائدا في قطاع التعليم العالي والعشوائية أديا الى عدم استمرارية  بعض هذه الجامعات  أو ضم بعضها للبعض الآخر أو  تغيير مسمياتها أيضا يجعل من الصعب تتبع مسيرة هذه الأقسام خلال العقدين الماضيين. 

 

المتواجدون حاليا

407 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع